Skip to content

لماذا نلجأ للصراعات في حل المشكلات

شهد العالم خلال السنوات الأخيرة ارتفاع لوتيرة الصراعات بشكل ملحوظ سواء على مستوى نوعية هذه الصراعات أو على مستوى الأطراف والكيانات المتصارعة، والملاحظ بشدة أن كثير من هذه الصراعات قد استخدمت العنف كوسيلة وحيدة لاثبات وجهة النظر التي تصارع من أجلها، دون الانفتاح على حلول أخرى وبخاصة الحلول السلمية، مثل السبل الدبلوماسية والمساحات الحوارية المشتركة؛ الأمر الذي انعكس سلباً على قطع طرق العودة من أجل التوصل لحلول مناسبة للجميع، وبات العالم والأطراف المتصارعة تحديدا يخسرون موارد وفرص وأشخاص في مقابل الاستمرار في هذه الصراعات.

لماذا نلجأ للحلول العنيفة مباشرة ولا ننفتح على الحوار كوسيلة للتواصل؟
هناك العديد من العوامل والأسباب التي قد تدفع الأطراف المتصارعة لاستخدام العنف بشكل مباشر لإثبات أو فرض وجهة نظر معينة، من هذه الأسباب:
1: غياب القيم:
يعتبر غياب القيم أحد أهم الأسباب التي تؤدي لحدوث صراعات؛ ذلك لأن الأطراف المتصارعة لا تجد حدود أو ضوابط لاستخدام أية وسائل في سبيل حسم الصراع لصالحهم.

2: الخلفية التاريخية للصراع:
تعتبر الخلفيات التاريخية والعوامل الثقافية أحد أهم العوامل التي تضغط على الأطراف المتصارعة حتى تمنعهم من الجلوس على مائدة التفاوض، وذلك خوفا من أن يتكرر سيناريو ما بالماضي لم يتمكن فيه الطرف المتصارع من الفوز بالصراع واضطر للقبول بوضع فُرِض عليه.

3: عدم الانفتاح على بدائل مختلفة:
غالبا ما ترفض الأطراف المتصارعة الحلول والبدائل المختلفة التي تعتمد على تضمين كافة أطراف الصراع في الحل ويرون أن الانتصار الحقيقي هو فرض وجهة نظرهم ومصالحهم على الطرف الآخر بالعنف وبسياسة القوة والأمر الواقع.

4: غياب الأمان والثقة بين أطراف الصراع:
يعد غياب الثقة أحد أهم الأسباب التي تعيق عملية التواصل وتؤدي بشكل مباشر للحلول العنيفة ذلك لأن الأطراف المتصارعة تبقى دائما في حالة تحفظ وقلق من الطرف الآخر، كما يخشون أن يفسر اعتمادهم على الحوار أو التفاوض ضعفا أوعدم قدرة على حسم الصراع الأمر الذي ” في رأيه ” سيعطي أفضلية للطرف الآخر.

5: عدم الانفتاح على التعلم:
غالبا ما تلجأ الأطراف المتصارعة لصناعة قصة صراع جديدة مرتبطة بهم ولا يهتمون بالتعلم من تجارب سابقة لهم كانت تتفق معهم في نفس الظروف والمعطيات.

كيف يمكننا تجنب الدخول في صراعات وتفادي الحلول العنيفة أثناء عملية التواصل؟
نحتاج دائما للانفتاح على ثقافة الحوار حتى يمكننا دعم عملية تواصل سليمة بين كافة الفئات والكيانات المختلفة؛ فالحوار يتيح لنا مساحات مرنة لتبادل وجهات النظر، الأفكار، المخاوف، والتطلعات، كما يساعدنا على تجنب الحلول العنيفة أثناء التواصل .
أيضا ينبغي التأكيد أننا إذا ما أردنا أن ندخل في حوار فيجب علينا أن نبذل مجهود في سبيل ذلك حتى تنجح عملية التواصل، وفيما يلي بعض الأمور التي يجب علينا مراعاتها أثناء الحوار:

1: دعم منظومة القيم:

يجب على الأطراف المشاركة في عملية الحوار الالتزام بالقيم الانسانية عموما سواء عند طرح الأفكار أوعند التواصل مع الآخرين. ونحن في شركة الحوار (سفراء الحوار) لدينا منظومة القيم الحوارية التي نرى إن غياب إحداها أو غيابها مجتمعة يهدد عملية الحوار وقد يمنعها من الاستمرار، هذه القيم هي (الثقة، الأمانة، المساوة، الانفتاح)

[ا] الثقة : تعتبر الثقة هي أهم القيم التي يجب توفرها أثناء عملية الحوار فغياب الثقة يمثل حاجز لدى المشاركين في تقبل رأي الآخرين أو التفكير فيه بشكل سليم، والثقة هنا تكون على كل مستويات الحوار فالثقة في العملية الحوارية نفسها والثقة في الشركاء المتحاورين.

[ب] الأمانة : من المهم أن يلتزم جميع المشاركون في الحوار بالأمانة الكاملة في طرح الأفكار ووجهات النظر والمعلومات والمشاعر حول الأمور المختلفة حتى يتوفر لدى الجميع معرفة واحدة بكافة الأمور والتفاصيل التي تساعدهم على الوصول لمساحات تفاهم مشتركة.

[ ج ] المساواة: تعد المساواة أحدى أهم القيم التي ينبغي أن تحتوي عليها المساحات الحوارية ونحن في شركة الحوار (سفراء الحوار) دائما ما نرمز للمساواة بالدائرة حيث يجلس المشاركون في دائرة واحدة على مسافات متساوية فلا يشعر طرف بأفضلية على بقية المشاركين، في الحوار ويتمتع الجميع بنفس فرص المشاركة لأفكارهم وتطلعاتهم وتخوفاتهم الأمر الذي سيمنحهم ثقة أكبر ويجعلهم معنيين بكل الأفكار التي يتم طرحها خلال العملية الحوارية.

[ د ] الانفتاح: عندما نلجء للحوار كوسيلة للتواصل وتجنب الدخول في صراعات يجب علينا دائما الانفتاح على آراء الآخرين وتقبل هذه الآراء مهما كانت مختلفة عن آرائنا الشخصية فلا يوجد رأي يحتمل الصواب المطلق ولا يوجد رأي يحتمل الخطأ المطلق وبشكل أكثر وضوح في عملية الحوار لا يعنينا من الصواب ومن الخطأ وإنما القيمة الأهم أن نتقبل جميع الآراء نفكر بها جميعا ونتفهم دوافعها وتجاربها التي أدت لتكوين هذه الآراء حتى يمكننا صياغة مساحة مشتركة من التواصل ومن ثمة نستطيع حل المشكلات دون الدخول في صراع.

2: طرح الخلفيات التاريخية والانفتاح على التعلم :
من المهم علينا أثناء الحوار التحرر من كل الخلفيات التاريخية للصراعات وما كانت تحمل من أحكام وأفكار لم تساعد على حل المشكلات والدليل على ذلك هو تجدد هذه الصراعات مرة أخرى، كما يجب علينا أن نقدر أن السيناريو الذي توصل له الصراع في الماضي لم يؤدِ لحل المشكلة بل قد يكون زادها ولذلك فعلينا أن ننفتح على التعلم حتى لا نكرر هذه الأخطاء مرة أخرى.

3: طرح العنف والانفتاح على بدائل مختلفة تمثل كافة المشاركين بالعملية الحوارية:
يجب على كافة الأطراف المشاركة في العملية الحوارية الحرص على طرح العنف جانبا وعدم الاعتراف به كبديل لحل الصراع، والانفتاح على بدائل تمثل جميع المشاركين الأمر الذي سيساعدنا على صياغة حلول أكثر قدرة على الاستمرار ويجنبنا الدخول في صراعات مستقبلية.

4: التركيز على الأهداف والمصالح المشتركة:
يجب على المشاركين البحث دائما عن الأمور المشتركة بينهم كالأهداف والمصالح والأفكار الأمر الذي سيعزز عملية التواصل ويمنحها بعدا مشتركا يمثل الجميع.

5: استخدام لغة مناسبة :
يجب أن يهتم المشاركون باستخدام لغة واضحة لا تحمل تعبيرات هجومية أو مصطلحات حادة أو ألفاظ تحتمل أكثر من معنى حتى لا يتسبب ذلك في حدوث صدامات أو سوء فهم أثناء العملية الحوارية.

7: تجنب الافتراضات واستخدام الأسئلة الاستكشافية :
من المهم ألا يبني المشاركون مواقفهم على افتراضاتهم الشخصية عن الأطراف الأخرى في الحوار والسعي لاستكشاف وجهات النظر المختلفة.
ونحن في سفراء الحوار لدينا أداة تسمى الاسئلة الاستكشافية دائما ما ننصح باستخدامها أثناء الحوار حتي
نستطيع تفهم وجهات النظر بشكل أفضل ومن هذه الأسئلة :

  • كيف : وتستخدم من أجل تفهم المواقف والبدائل المختلفة فمثلا نقول (كيف يمكننا فعل ذلك . أو كيف حدث هذا)
  • ماذا : وتستخدم من أجل الاستفسار بشكل أكبر عن الأحداث التي حصلت بالفعل فمثلا نقول (ماذا حدث)
  • متى : نستخدمها للسؤال عن التوقيتات المختلفة سواء في الماضي أو المستقبل فنقول (متى حدث ذلك، متى يمكننا أن نفعل ذلك)
  • مَن : مَن تسأل عن الأشخاص وتساعدنا على تنسيق المهام والأدوار فيما بيننا فنقول على سبيل المثال (مَن منا سيفعل كذا ومَن سيفعل كذا ومَن المسؤول عن التنسيق بيننا وإبلاغ بقية المشاركين بالنتائج)
  • أين : أين تسأل عن المكان وتساعدنا على فهم الأفكار بشكل أفضل وتكوين صورة مشتركة عن الحلول المقترحة فنقول مثلا (أين حدث ذلك، أين سنقوم بفعل ذلك)

وتجدر الإشارة هنا أننا نتجنب الأسئلة التي تضع المشاركين بين اختيارات محدودة كالسؤال بـ (هل) فعندما نسال شخص : هل فعلت ذلك ؟ تكون الإجابة إما نعم فعلت، أو لا لم أفعل.
ونتجنب أيضا أداة الاستفهام (لماذا) لأنها تعطي إيحاء بالاستجواب فيصبح الطرف الآخر مضطر للتبرير فلا نقول مثلا (لماذا فعلت ذلك ؟) حتى لا يشعر المشاركون بأنهم مُذنِبون ومضطرون لشرح مواقفهم.
ويجب علينا دائما التأكيد على أن هذه الأفكار والأدوات تساعدنا على الدخول في حوار وتجنب الصراعات، ولكنها لا تضمن جودة عملية الحوار وإنما الذي يضمن ذلك مدى اهتمام المشاركين وشغفهم وسعيهم لإتمام عملية الحوار والوصول لمساحات تفاهم مشتركة تساعدهم على تجنب الدخول في صراعات وطرح بدائل تمثلهم جميعا.

تمت كتابة المقال بواسطة: أحمد النجار

“عضو في الفريق القومي لسفراء الحوار منذ ٢٠٢١ ومسؤل وحدة الإعاقة بشركة الحوار”